أنظر إلى ذاك الجدار الحاجب |
ما السد فيما حدثوا عن مأرب |
هو في الحديث من البناء غريبة |
زان القديم جوارها بغرائب |
إحدى العجائب في بلاد لم تزل |
من مبدإ الدنيا بلاد عجائب |
حسن الطبيعة أكملته صناعة |
للنفع فيها بينات مآرب |
شطر العقيق ففائض في جانب |
مجرى الحياة وغائض في جانب |
ألنيل خلف السد بحر غامر |
لا تستقل به صغار مراكب |
بلغ السوامق في النخيل فزينت |
تيجانها صفحاته برواكب |
والغور بين يديه مرمى شاسع |
للماء في قاع كثير جنادب |
لا تنتهي صفواؤه إلاإلى |
نيل تجدد من شتيت مسارب |
لم يحتبس نهر بسد قبله |
ضخم ضخامته عريض الغارب |
يجتاز من يعلوه نهجا نائيا |
طرفاه تحمله ضخام مناكب |
أترى هنالك في ثياب رثة |
أشتات حسن جمعت في قالب |
فلاحة جثمت بأدنى موقع |
للظل من ذاك الطريق اللاحب |
لانت معاطفها وصالت عزة |
قعساء من أجفانها بقواضب |
أدماء إلا أن كدرة عيشها |
شابت وضاءة لونها بشوائب |
هي أم طفل شق عنه طوقه |
وترى نضارتها نضارة كاعب |
طال المسير بها فأعيت فاستوت |
تبغي الجمام من المسير الناصب |
ألوت كما يلقي الضعيف بحمله |
وسنى وقد يغفو ضمير اللاغب |
وثوى ابنها ويداه ملؤهما حصى |
ملساء يلعب في مكان صاقب |
أمنت عليه والحديد حياله |
كأضالع مشبوكة ورواجب |
والجسر ممتد قويم لا تسرى |
فيه مظنة خاطف أو سالب |
لكن أبناء الجماهير ابتلوا |
في الشرق من قدم بخطب حازب |
للجهل فيهم سلطة أمارة |
بالسوء غير بصيرة بعواقب |
أودت بجيل بعد جيل منهم |
لا بدع إن أودت بطفل لاعب |
خدعته أصوات الهديرو |
من كل ناحية بقلب واجب |
مرت وكرت لا تعي وتعثرت |
يمنى ويسرى بالرجاء الخائب |
فتدافعت نحو الشفير وما لها |
لون سوى لون القنوط الشاحب |
ترنو بعين أفرغت من نورها |
وتمددت أرأيت عين الهائب |
فإذا شعاب النهر تذهب بابنها |
في فجوة الوادي ضروب مذاهب |
فاظنن بروعتها وسرعة عدوها |
نحو العقيق ودمعها المتساكب |
في ذلك الميقات أقبل يافع |
بوسام كشاف وبزة طالب |
قبل بلين الأسمر الخطي في |
لون إلى صدإ المهند ضارب |
من فتية الزمن الذين سما بهم |
موفور آداب ويمن نقائب |
وتنزهت أخلاقهم عن وصمة |
بتردد مزر وجبن عائب |
قد راض منهم كل شبل بأسه |
فغدا كليث في الكريهة دارب |
صدقت مواقفه لدى الجلى فما |
دعوى الشجاعة منه دعوة كاذب |
ذاك الفتى وافي ليروي غلة |
بالنفس من عجب هنالك عاجب |
من روعة النهر الحبيس جرت به |
من مهبط عال عراض مذانب |
وجمال ما يبدو له جنة |
غناء في ذاك المكان العاشب |
فرأى وليدا داميا متخبطا |
بين المسيل وصخره المتكالب |
شحذت جنادله له أنيابها |
وتشبهت أمواجه بمخالب |
وشجاه من أم الغريق تفجع |
متدارك من موضع متقارب |
ناهيك باليأس الشديد وقد غدا |
كالنبح من جراه نحب الناحب |
أوحى إليه قلبه من فوره |
أن انتقاذ الطفل ضربة لازب |
سرعان ما ألقى بوقر ثيابه |
عنه وخف بعزم فهد واثب |
متوغلا في الغمر ثيابه |
عنه وخف بعزم فهد واثب |
ما زال حتى استنفدت منه القوى |
هل من مرد للقضاء للغالب |
أبلى بلاء الأبسلين فلم يقع |
إلا على شجب هنالك شاجب |
ذهبت مروءته به غض الصبا |
لله درك في العلى من ذاهب |
إني أسيت على الغلام وأمه |
لكن أسى متبرم أو غاضب |
جزع على الأوطان من علل بها |
وعلى ولاة الأمر فيها عاتب |
لو عد ما فعلت جهالتنا بنا |
لم يحص أكثره حساب الحاسب |
أما الذي أبكي رداه بحرقة |
وبمدمع ما عشب ليس بناضب |
فهو الذي دعت الحمية فانبرى |
متطوعا لفدى غيب شاذب |
وشرى الحياة لغيره بحياته |
والعصر عصر المستفيد الكاسب |
هذا هو الكشاف أبدع ما يرى |
في صورة من شاعر أو كاتب |
وهل الفتي الكشاف إلا من رمى |
مرمى ولم يخش اعتراض مصاعب |
ومضى لطيفا في ابتغاء مرامه |
أو غير ملو دونه بمعاطب |
لا يستهين بعرض غانية ولا |
ينسى أوان الضيم حق الشائب |
ويكون يوم السلم خير مسالم |
ويكون يوم الحرب خير محارب |
فإذا دعا داعي الفداء فإنه |
يقضيه أو يقضي شهيد الواجب |
في ذمة المولى شهاب عاثر |
تبكيه أمته بقلب ذائب |
باق وإن هو غاب ساطع نوره |
حتى يكاد يخال ليس بغائب |
مصر تتوجه بتاج خالد |
يزهو سناه على المدى المتعاقب |
وتقول قد ثكلت سمائي كوكبا |
لكن قدوته ولود كواكب |