بِفَيض فَضلِكَ يَحيى العلمُ وَالأَدَبُ |
وَبِإِسمكَ اليَوم أَضحتَ تَفخرُ الكُتُبُ |
فَمِن سَنى فَكرِكَ التَهذيبُ مُنتَشِرٌ |
وَمِن ضَيا فَهمِكَ الإِرشادُ مُنسَكِبُ |
يا أَيُّها الكَوكَبُ العالي الَّذي رَقَصت |
لَهُ المَعالي وَخَرَّت دونَهُ الشُهُبُ |
ما زالَ يَكسبُ مِنَ الشَرقُ رَونَقَهُ |
حَتّى إِنجَلى وَاِنجَلَت عَن وَجهِهِ السُحُبُ |
لَو لَم يَكُن رَشف الأَفراح مِنكَ لَما |
أَهدى الصَباح ضَحوكاً وَهُوَ يَلتَهِبُ |
يا صَدر دَولَتِنا الفَرد الَّذي سَطَعَت |
أَنوارُ حَكمَتِهِ في الكَونِ تَنسَكِبُ |
أَبصارُنا مَحدقاتٌ فيكَ شاخِصَةٌ |
إِلَيكَ تَنظُرُ مَعنى كُلهُ عَجَبُ |
قُلوبَنا بِحِما عَلياكَ لائِذَةٌ |
سَلَبتَها فَسرت بِالطَوعِ تَنسَلِبُ |
أَنتَ الأَمينُ عَلى الدُنيا فَكَيفَ غَدَت |
بِلُطفِكَ الساحر الأَرواحُ تَنتَهِبُ |
عَلَيكَ آمالُ أَهل الأَرضِ دائِرَةٌ |
وَأَنتَ تَحيي رَجاها أَيُّها القُطُبُ |
غَنَّت بِمَدحك اَفواهُ العِبادِ كَما |
رَنَّت بِأَوصافِكَ الأَشعارُ وَالخُطبُ |
أَنتَ البَليغُ الَّذي أَلفاظُهُ دُرَرٌ |
تَهدى فَتحفظها في جيدِها الحِقَبُ |
لَقَد رَأَيتَ لِلآداب خَير حِماً |
تَهدي القَريض فَخاراً مِنكَ يَكتَسِبُ |
فَجئتُ أَهديكَ مِن رَوضاتِهِ ثَمَراً |
إِذا نَظَرتَ إِلَيهِ يَحصل الأَرَبُ |
هُوَ الكِتابُ الَّذي قَدَمتهُ سَنَداً |
عَلى التَعلُقِ مثل العَهدِ يُكتَتَبُ |
شَرَّفتهُ بِاسمكَ العالي فَكانَ لَهُ |
هَذا السَميرُ الأَمينُ الأنَ يَنتَسِبُ |
يَرجو القُبول فَقَد وافى عَلى خَجَلٍ |
يَرى المَهابَةَ تَعلوهُ فَيَضطَرِبُ |
ما لِلغُرابِ عَلى الأَطلالِ قَد نَعبا |
صُبحاً فَأَحَّجَ في أَحشائِنا اللَهَبا |
نَعى فَقُلنا لَهُ المَوت المُريع تَرى |
سَطا فَقالَ نَعَم قَد صالَ وَأَحرَبا |
حَمامَةٌ في رِياضِ الأُنس آمِنَةٌ |
أَراعَها ثُمَ شاءَ القَنصَ فَاغِتَصَبا |
لَكِنَّها مانَعَتهُ وَهُوَ مُندَهِشٌ |
بِما أَصابَ فَرامَ الحِرصَ فَاِنغَلَبا |
قَد هالَهُ تاجُ نورٍ وَهُوَ مُنَحَدِرٌ |
عَلى قَنيصَتِهِ الغَراءِ فَاِضطَربا |
فَاِستَخلَصت مِن يَديهِ وَهِيَ باسِمَةٌ |
تَعلو لِرَوضٍ أَنيقِ في العُلى خَصبا |
فَما نَعبتُ عَلَيها أَنَّها سَعدت |
لَكن بَكيتُ لِمَن في بُعدِها اِنتَكَبا |
فَتى أَرَقُّ مِن الماءِ الزُلالِ عَلى |
قَلبِ الجَريح دَهاهُ البينُ فَالتَهَبا |
غُصنٌ زَها يَسلُبُ الأَلبابِ قَد عَبَثَت |
بِزَهرِهِ عاصِفاتُ الدَهر فَاِنسَلَبا |
غُصنٌ عَلى غُصنِهِ المَقصوف مُنَكَسِرٌ |
لَذا اِنحَنى في رَبيع العُمرِ مُنتَحِبا |
يُسراهُ أَضحَت عَلى خَديهِ لاطِمَةً |
لِأَنَّ يُمناهُ سارَت تَبلغُ الأَرَبا |
لَم يَخلَع الأَمس ثَوبَ الحُزن مُبتَهِجاً |
حَتّى تَجدَّدَ في أَحشاهُ مُنتَشِيا |
سارَت اليَفتهُ وَالعُرس مُختَتِمٌ |
فَجَدد الرَقص في رَوضاتِهِ طَرَبا |
وَلَم تَتمَّ عَلى أَفراحِهِ سَنةٌ |
كَأَنَّها سَنَةٌ وَالعَيش حلم هبا |
حَتّى اِستَفاقَ بَصُبح العُمرِ في ظُلمٍ |
كَأَنَّما اللَيل أَضحى لِلصَباح قبا |
يَدعو أَباهُ وَيَشكو سَلبَ دُرَّتِهِ |
وَيَستشيط لَما مِن حَظِّهِ نُهِبا |
يَبكي وَطفلَتَهُ تَبكي فَيُرضِعُها |
دَمعاً تَهيج لَهُ أَصواتُ مَن نَدَبا |
دَمع الصِبا قَد صَبا لِلصَبِّ مُنهَمِلاً |
يَزيد ذا الصَبَّ في أَحزانِهِ وَصَبا |
وَيحي عَلَيهِ فَإِنَّ الدَهر قَلَّبهُ |
كَما تَقَلب يُحصي العلم وَالأَدَبا |
رَأَيتَهُ غارِقاً بِالحُزنِ مُحتَرِقاً |
حَتّى تَوَهَمَت مِن حالاتِهِ العَجَبا |
أَباً يَتيماً عَريساً أَرمَلاً وَلَهاً |
شَيخ الخَطوب صَبياً لِلصِبا غَلبا |
هَذِهِ صِفاتكَ يا خضلي عَرَفتَ بِها |
كُل الأُمور بَعَصرٍ عَهدُهُ قَرُبا |
وَفي طِباعك يااِسكَندَر اِنطَبَعَت |
رَقائق اللُطف تَنفي الغَيظ وَالغَضَبا |
فَاطفِ اللَهيبَ بِحُلمٍ فيكَ مُنغَرِسٍ |
وَاقصر عَناكَ فَلا رَدٌّ لَما ذَهَبا |
قَد هاجَمَتكَ خُطوبُ الدَهر عابِسَةً |
فَلا تَكُن لِسُقوط القَلبِ مُنتَسِبا |
أَنتَ الشُجاع شُجاع العَقل في فَطنٍ |
تَسطو عَلى الجَهل حَيثُ النور قَد سَكَبا |
مَصائِبُ الدَهر لا تَبقي عَلى أَحَدٍ |
وَمِن تَجَلَّدَ في الدُنيا فَما نُكِبا |