أدنا المزار و قرّت العينان |
و فرغتما من لهفة و حنان ؟ |
و هززتما بالشّوق كفّ مسلّم |
و هفّت إلى تقبيله الشّفتان؟ |
و حلا العناق على اللّقاء و أومأت |
لكما الدّيار ، فرفرف القلبان؟ |
و على الثّغور الباسمات بشائر |
وعلى الوجوه المشرقات أماني؟ |
و على سماء النّيل من سمة الضّحى |
وضح من ثغريكما وضحان؟ |
و على الضّفاف الضّاحكات مزاهر |
و على السّفين الرّاقصات أغاني؟ |
يوم تطلّعت المنى لصاحبه |
و تحدّثت عنه بكلّ لسان! |
و سرى التّخيل في النفوس فهزّها |
مرح الطّروب و غبطة النّشوان |
و الأفق مربدّ الأديم، و أنتما |
فوق الرّياح الهوج منطلقان |
تتخايلان على السّحاب برفرف |
بلواء مصر مظلّل مزدان |
تتطلّعان إلى السّديم كأنّما |
تتخيران لها أعزّ مكان |
و تحدّثان النّجم عن أوصافها |
و النّجم مأخوذ بما تصفان |
علّقتما بالنّاظرين خيالها |
شوقا و أجفان المنون رواني |
هي خطرة، أو نظرة ، و درجتما |
في جوف عاصفة من النيران |
طاش الزّمام فلا السّحاب مقرب |
لكما و لا الجبل الأشمّ مداني |
و هوى الجناح فلا الرّياح خوافق |
فيه و لا الأرواح طوع عنان |
سدّت طريقكما الحتوف و انتما |
تتحرّقان هوى إلى الأوطان |
و مشى الرّدى بكما و تحت جناحه |
جسمان بل قلبان محترقان !! |
يا ملهميّ الشّعر هذا موقف |
الشّعر فيه فوق كل بيان |
لوددت لو أنّي عرضت بناته |
في المهرجان نواثر الرّيحان |
و عقدت من شعري و من ريحانها |
إكليل غار أو نظيم جمان |
أنا من يغنّي بالمصارع في العلى |
و يشيد بالآلام و الأحزان |
ماذا وراء الدّمع من أمنية |
أو ما وراء النّوح من نشدان؟ |
أصبحت ذا القلب الحديد و إن أكن |
في النّاس ذاك الشّاعر الإنساني |
و وهبت قلبي للخطار ، فللهوى |
شطر ، وللعلياء شطر ثاني |
و عشقت موت الخالدين و عفت من |
عمري حقارة كلّ يوم فاني |
لولا الضّحايا الباذلون دماءهم |
طوت الوجود غيابة النّسيان |
هذا الّدم الغالي الذي أرخصتم |
هو في بناء المجد أول باني |
تبنون للوطن الحياة و هكذا |
تبني الحياة مصارع الشّجعان |
*** |
|
مثلتما في الموت وحدة أمّة |
ذاقت من التّفريق كلّ هوان |
مسح الهلال دم الصّليب و ضمّدت |
جرح الأهلّة راحة الصّلبان |
إن كان في ساح الرّدى لكليكما |
مثل ففي ساح الفدا مثلان ! |
عذرا فرنسا إن جزعت فإنّه |
قدر و مالك بالقضاء يدان |
هزّتك بالرّوعات قبل مصابنا |
أمم ملكن أعنّة الطّيران |
واسيت مصر فما هوى نجم لها |
إلاّ و منك عليه صدر حاني |
حيّ سماء الفرقدين و قدّسي |
من تربك الغالي أعزّ مكان |
فهناك دم روّى ثراك و ههنا |
قلبان تحت الصّخر يختلجان |
يا أمّة الشّهداء أنت بثكلهم |
أدرى و بالأحزان و الأشجان |
ألغار أحقر أن يكلّل هامهم |
و رؤوسهم أغلى من التّيجان |
لغد صبرنا للزّمان و في غد |
نعفو و نغفر للزّمان الجاني |
و نمد للأيّام كفّ مصافح |
يجزي المسيء إليه بالإحسان |
و ندلّ فوق النّيرات بموكب |
فيه الحجى و البأس يلتقيان |
و نهزّ أجنحة الحياة و نعتلي |
بخفافهنّ مناكب العقبان |
و ننصّ راية مصر أنّى تشتهي |
مصر ، و يرضاه لها الهرمان |
أقبل سلاح الجوّ ، إنّ عيوننا |
للقاك لم يغمض لها جفنان |
أقبل سلاح الجوّ، إنّ قلوبنا |
كادت تطير إليك بالخفقان |
رفرف على البلد الأمين و حيّه |
و انزل إلى الوادي و طر بأمان |
كن للسّلام وقاءه، و لواءه |
و شعاعه الهادي على الأزمان |
و إذا دعتك الحادثات فلبّها |
بحميّة المستقتل المتفاني |
ليضنّ بالأعمار كلّ معاجز |
و ليخش حرب الدّهر كلّ جبان |
ليثر على القضبان كلّ معذّب |
و ليحطم الأصفاد كلّ معاني |
هذا الزّمان الحرّ مال شعوبه |
صبر على الأصفاد و القضبان |
لكم الذد المرجوّ فتيان الحمى |
و اليوم يومكم العظيم الشّان |
لا تثنيّنكم المنايا إنّها |
سرّ البقاء و سنّة العمران |
كونوا من الفادين إن عز ّ الفدا |
كم في الفداء من الخلود معاني |
و لئن حرمتم من متاع شبابكم |
إنّ النّعيم ينال بالحرمان |
ليكن لكم في كلّ أفق طائر |
ليكن لكم قس كلّ أرض باني |
و لينخسنّ البحر من أسطولكم |
علم كنجم المدلج الحيران |
سيروا بهدي الأحمرين و مهّدوا |
بهما سبيل المجد و السّلطان |
لم تبصر الأمم الحياة على سني |
كالنّار في شفق الدّماء القاني! |