قد اختَلّ الأنامُ بغيرِ شَكٍّ، |
فجدّوا في الزّمانِ وألعَبوهُ |
وظَنّوا أنّ بوهَ الطّيرِ صَقرٌ، |
بجَهلِهمُ، وأنّ الصّقرَ بُوهُ |
وَوَدّوا العيشَ في زمنٍ خؤونٍ، |
وقدْ عَرَفوا أذاهُ وجَرّبُوه |
ويَنشأُ ناشىءُ الفتيانِ، مِنّا |
على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه |
وما دانَ الفتى بحِجًا، ولكنْ |
يُعَلّمُهُ التّدَيّنَ أقرَبُوه |
وطِفلُ الفارسيّ لهُ وُلاةٌ، |
بأفعالِ التَمَجّسِ دَرّبوه |
وضمّ النّاسَ كلَّهمُ هَواءٌ، |
يُذلَّلُ، بالحوادثِ، مُصعَبوه |
لَعلّ المَوتَ خَيرٌ للبرايا، |
وإنْ خافَوا الرّدى وتَهَيّبوه |
أطاعوا ذا الخداعِ وصَدّقوه، |
وكم نَصَحَ النّصيحُ، فكَذَّبوه |
وجاءَتنا شرائعُ كلّ قومٍ، |
على آثارِ شيءٍ رَتّبُوه |
وغَيّرَ بَعضُهُمْ أقوالَ بَعضٍ، |
وأبطَلَتِ النُّهَى ما أوْجَبوه |
فلا تَفرَحْ، إذا رَجّبتَ فيهمْ، |
فقد رَفَعوا الدّنيَّ، ورَجّبُوه |
وبَدّلَ ظاهرَ الإسلامِ رَهطٌ، |
أرادوا الطّعنَ فيهِ وشذّبُوه |
وما نَطَقُوا بهِ تَشبيبُ أمْرٍ، |
كما بَدأ المَديحَ مشَبِّبوه |
ويُذكرُ أنّ، في الأيّامِ، يوماً، |
يَقومُ من الترابِ مغيَّبوه |
وما يحدُثْ، فإنّا أهلُ عصرٍ، |
قَليلٌ، في المَعاشرِ، مُنجبوه |
صَحِبنا دَهرَنا دهراً، وقِدْماً |
رأى الفَضلاءُ أنْ لا يَصحَبوه |
وغِيظَ به بنوهُ وغِيظَ منهمْ، |
فعَذّبَ ساكِنيهِ وعَذّبوه |
ومن عاداتِهِ في كلّ جيلٍ |
غَذاهُ، أن يَقِلّ مهَذَّبوه |
أساءَ بغَيّهِ أدَباً علَيهمْ، |
فهَلْ من حيلَةٍ، فيؤدِّبوه؟ |
وما يخشَى الوَعيدَ، فيوعدوهُ؛ |
ولا يَرعَى العِتابَ، فيُعتِبوه |
وهلْ تُرجَى الكرامةُ من أوانٍ، |
وقدْ غلَبَ الرّجالَ مغلَّبوه؟ |
وهلْ، من وقتِهم، أبغى وأطغى، |
على أيّ المَذاهبِ قَلّبُوه؟ |
أجَلّوا مُكثِراً، وتَنصّفوه؛ |
وعابوا مَنْ أقَلَّ، وأنّبُوه |
ولم يَرْضَوْا ، لما سكنوه، شِيداً، |
إلى أن فضّضوه وأذهبوه |
فإنْ يأكُلْهُمُ أسَفاً وحِقداً، |
فقَد أكَلَ الغَزالَ مُرَبِّبوه |
وتلكَ الوحشُ، ما جادوا عليها |
بعُشبٍ، غِبَّ نَدٍّ عَشّبوه |
يَسورُ الكَلبُ مُجتَهِداً إلَيها، |
ويَحظى، بالقنيصِ، مُكلِّبوه |
رَجَوْا أن لا يخيبَ لهم دُعاءٌ، |
وكم سألَ الفَقيرُ، فخَيّبُوه |
وما شأنُ اللّبيبِ بغَيرِ سِلْمٍ، |
وإنْ شَهِدَ الوَغَى متَلَبِّبُوه |
ألَظّوا بالقَبيحِ، فتابَعوهُ، |
ولوْ أُمروا به لتَجَنّبوه |
نهاهمْ عن طِلابِ المالِ زُهدٌ، |
ونادى الحِرْصُ: وَيبَكُمُ اطلبوه |
فألقاها إلى أسماعِ غُثْرٍ، |
إذا عَرَفوا الطّريقَ تَنكّبوه |
سَعَوا بَينَ اقترابٍ واغترابٍ، |
يَمُوتُ بغَصّةٍ متَغَرِّبوه |
غَدَوْا قوتاً لمثلِهمُ، تَساوى |
خَبيثوهُ، لديهِ، وأطيَبوه |
مضَتْ أُمَمٌ على شرخِ اللّيالي، |
إذا عَمَدوا لعَقْدٍ أرّبوه |
وكم تَرَكوا لَنا أثَراً مُنيفاً، |
يَعُودُ بآيَةٍ متأوِّبُوه |
لقد عَمَروا، وأقسَمَتِ الرّزايا؛ |
لَبِئسَ الرّهطُ رَهْطٌ خَرّبوه |
فإمّا عاثَ فيهِ حاسِدُوهُ؛ |
وإمّا غَالَهُ مُتكَسِّبوه |
وللأرَمَينِ خَطْبٌ مُستَفيضٌ، |
يَعومُ بلُجّهِ مُتَعَجِّبوه |
ولو قدَروا على إيوانِ كِسرى، |
لَسامُوهُ الرّدى، وتَعَقّبوه |
وقد مَنّوا برزقِ اللَّهِ جَهلاً، |
كأنّهُمُ لباغٍ سَبّبوه |
إذا أصحابُ دِينٍ أحكَموهُ، |
أذالوا ما سِواهُ وعَيّبُوه |
وقد شهِدَ النّصارى: أنّ عيسَى |
توَخّتْهُ اليَهودُ، ليَصلِبوه |
وقد أبَهُوا، وقد جَعلوه رَبّاً، |
لئَلاّ يَنقَصُوهُ ويَجدُبُوه |
تَمُجُّ قلوبُهمْ ما أُودِعَتْهُ؛ |
لسوءٍ في الغَرائزِ، أُشرِبوه |
أضاعوا السرَّ لمّا استُحفِظوهُ؛ |
وقد صانوا الأديمَ وسرّبوه |
لهم نَسَبُ الرَّغامِ، وذاكَ طُهرٌ، |
ولم يَطْهُرْ بهِ متَنَسِّبُوه |
ونُبّىء، في بني يعقوبَ، موسَى |
بشَرْعٍ ما تَخَلّصَ مُتعَبوه |
وقد نضَتِ النّواظرُ، كلَّ عامٍ، |
وأترابُ السّعادَةِ مُتربوه |
على حَجَرٍ لهم تَهوي جبالٌ، |
ولم يَستَعْفِ ذَنباً مُذنِبوه |
ودونَ الأبيَضِ المُشتارِ زُغبٌ |
لَواسِبُ، عُقنَهمْ أن يَلسِبوه |
وقد ركبَ الذينَ مَضوا سَبيلاً |
إلى عَليائِهمْ، لم يَرْكَبوه |
وحبلُ العيشِ منتَكِثٌ ضَعيفٌ، |
ونعمَ الرأيُ أنْ لا تجذِبُوه |
وما فَعلَوه، ولكنْ باكَروهُ |
بأسبابِ الحِمامِ، فقَضّبوه |
فمن سَيفٍ، ومن رُمحٍ وسهمٍ، |
ونَصْلٍ أرْهَفُوهُ وذَرّبُوه |
وما دَفعَتْ عن المَلِكِ المَنايا |
مقانِبُهُ، ولا متَكَتِّبوه |
حَسِبتمْ يا بني حَوّاءَ شَيئاً، |
فَجاءكُمُ الذي لم تحسبوهُ |
وجيرانُ الغَريبِ مُبَغِّضوه |
إلى جُلاّسِهم، ومحبِّبوه |
فإنْ يُولُوا قَبيحاً يذكُروهُ؛ |
وإنْ يَحبُوا يَشيعوا ما حَبوه |
تَقولُ الهِندُ: آدَمُ كانَ قِنّاً |
لَنا، فسرَى إلَيهِ مخبِّبوه |
أولئِكَ يَحرِقونَ المَيتَ نُسكاً، |
ويُشعِرُهُ لُباناً مُلهِبُوه |
ولو دفَنوهُ في الغَبراءِ، جاءتْ |
بما يَسعَى لَهُ مُتَألِّبوه |
أُديلَ الشرُّ منكم، فاحذَرُوه، |
وماتَ الخَيرُ منكمْ، فاندبوه |