وداع وما يغني الوداع من الوجد |
ولكنه زاد المشوق على البعد |
وما هي إلا وقفة عند فائت |
تمازج فيها مطعما الصاب والشهد |
نثبط أخفاق المطي استزاده |
للحظة عين قبل منقطع العهد |
كأن لم يكن دهر الوصال الذي مضى |
ولم نتمل الصفو في عيشه الرغد |
نفكر في ترك المغاني ومن يلي |
بموضعنا أن جدت العيس في الوخد |
مغان قضينا في حماها ليالياً |
من الدهر عزت أن تجدد من بعد |
أرق حواش من برود نسيمها |
وأعذب مما في النسيم من البرد |
وأصفى من الماء القراح إذا جرى |
يسيل على وجه الصفا طيب الورد |
فيا لك أياماً تقضي نعيمها |
كما يتقضى الحلم في غفلة الرقد |
إلا عللاني ساعة باذكارها |
ولا تصحياني أن سكرت من الوجد |
فكم من منى دانت لدينا وقد دنت |
بكل رواق وارف الظل ممتد |
أويقات ورق الروض من جلسائنا |
واكؤسنا ثغر الشقائق والورد |
تظللنا بيض السحائب في الضحى |
ويشملنا عرف النسائم في برد |
وتنثر كف النهر بالدر فوقنا |
ونحن من الزهر النضير على مهد |
كذلك كنا ثم بنا وقبلنا |
نبت بأبينا آدم جنة الخلد |
كذلك شأن الدهر في كل معشر |
ينيم مآقيهم وعيناه في الرصد |
وأن قصارى الأمر ما شاءه القضا |
فكل بصير عنده ضائع الرشد |
أردد شجوي بالوداع صبابة |
وهيهات ترديد الصبابة ما يجدي |
ومن عجب أني أطارح صبوتي |
روابي صماً لا تعيد ولا تبدي |
بلى ما عدت حالي فكل رباوة |
وقد بهتت للبين سامدة الفند |
تداعت بها الغربان تهتف بالنوى |
فصدق فيما رده هضمها المعبد |
ومر نسيم في الخمائل مخبراً |
فململ منها معطف البان والرند |
وهبت حمامات الرياض فرددت |
حنين الثكالي فوق أغصانها الملد |
لئن طاب هذا الشيق نفساً ببعدنا |
فإن فؤاد الغور أحفظ للود |
ستنهل منه كل عين الذكرنا |
بدمع جرى من مهجة الحجر الصلد |
وتبدي رياض الزهر في كل غدوة |
نواصي شعثاً لحن في الشعر الجعد |
وتغدو غمامات الضحى بعد بيننا |
بردن ندي واكف الهدب منقد |
وتذكرنا هذي الديار وأهلها |
إذا افتقدنا مقدم الوفد فالوفد |
وتعجب هذي الأرض بعد براحنا |
إذا التمستنا من صدى الغور والنجد |
تمتع قبيل الظعن من روضها الندى |
ومن عرفها الشافي ومن مائها العد |
فعما قليل أنت في متن سابح |
توقل في هضب وتهبط في وهد |
ورب يسير يحسب الحط كله |
إذا لم تجد فيه سبيلاً إلى الرد |